اخر الاخبار

إبراهيم عيسى يكتب: يا ربي متى نفرح؟

لا أحد فى مصر سعيد هذه الأيام..لعلِّى أتحدى أن يكون هناك شخص يشعر بالراحة والسعادة والفرح منذ شهور فى مصر. عندما قامت الثورة وتخلى مبارك عن الحكم كانت مصر تعيش أجمل أيام حياتها فرحا وزهوا وأملا وسعادة وتفاؤلا، صحيح كان هناك كارهون وخصوم للثورة يعانون ألما وإحباطا، لكنهم كانوا قلة أمام موج السعادة المفرط الذى كنا نعيشه حتى استفتاء 19 مارس المشؤوم، حيث انفصمت عرى البلد وتفرق الناس شيعا وأشياعا بفضل حكمة وحنكة مجلسنا العسكرى الموقر الذى لم يتوقف منذ يومها عن إتحافنا بكل ما هو فشل وفاشل وارتباك وعشوائية وارتجالية ثم غلظة وقسوة وعنف ثم قتل وسحل وانتهاك للحرمات، وقد تكفل غياب الوعى وانحدار التعليم بما تبقى من تصرفات أودت بما تبقى!الآن لا شباب الثورة بالقطع فرحان ولا مبسوط بل يغلى غضبا، ثم إن دماء شهدائنا الأبرار تسيل سحلا تحت بيادات الجنرالات المخلصين فى تدمير فتات حب واحترام لهم تَبقّى فى صدور الشعب، الشعب نفسه حائر محبط مرتبك مشوش وممزق بين واقع اقتصادى متردٍّ وأمن وأمان غائب وسلطة لا هى بثّت فيه أملا ولا أبقت على ثقته بها، معارضو المجلس العسكرى ومؤيدوه مكتئبون بنفس الدرجة، حتى التيارات الإسلامية التى تكتسح الانتخابات متوترة ولا تظهر عليها أى أمارات فرح وسعادة بالنصر، بل ينهشها الخوف وتأكلها الريبة أن يفسد «العسكرى» عليها انتخاباتها وفوزها. الإسلاميون إذن والعلمانيون واليساريون والليبراليون واللى مالوش فيها كلهم فى غاية التعاسة ولا علامة على فرح ولا أمل فضلا عن تبادل الاتهامات بالخيانة والكفر إضافة إلى العدوانية والكراهية، حتى الجنرالات وهم يحكموننا بمنتهى الإصرار على تطليع روح الثورة إلى بارئها لا تضبطهم فى لحظة مبتسمين أو فرحين، لا أحد على الإطلاق من التحرير إلى العباسية يشعر بالسعادة وهو ما يدل على أننا فشلنا فى الحفاظ على فرحة الثورة لأننا فشلنا فى الحفاظ على الثورة نفسها، مرة أخرى بفضل القيادة الحكيمة لجنرالات مبارك الذين يدينون لسياسته ومنهجه فى الحكم بالولاء والطاعة حتى إنهم يصدرون تصريحات الخالق الناطق ما كان يقوله مبارك ويذيعون بيانات لا فرق فيها بين جنرالات المجلس العسكرى وصفوت الشريف وحبيب العادلى وأنس الفقى!بحثت عن التشخيص لهذه الظاهرة المذهلة «تعاسة ما بعد الثورة» فى بيان ائتلاف «نفسانيون من أجل الثورة» وهم مجموعة مشرقة من أطباء مصر النفسيين الذين قرروا منذ الأسابيع الأولى للثورة أن يشاركوا بالرأى والمشورة والعلاج للمجتمع كله للحفاظ على الروح المعنوية للمصريين وسلامتهم النفسية خلال هذه المرحلة الصعبة، لكن أحدا كالعادة لم يلتفت إلى ما يقولونه على أهميته القصوى والبالغة، وبالتأكيد لا يمكن أن يهتم جنرالات المجلس العسكرى بالطب النفسى، حيث إنهم أصلا لا يهتمون بالنفس لكى يهتموا بطبها. البيان الأخير الذى أرسله إلىّ أستاذ الطب النفسى المرموق محمد المهدى، وهو واحد من أبرز أعضاء هذا الائتلاف، يرى بحكم «موقعنا المهنى فى مجال الصحة النفسية والطب النفسى إضافة إلى وضعنا كمواطنين مصريين»، أنه قد تفجرت مؤخرا موجات من الاحتجاج كامتداد لثورة يناير العظيمة وعاد الشباب ليتقدم الصفوف بعد أن تعرضت مسيرة الثورة إلى خطر الالتفاف عليها وتفريغها من مضمونها من خلال ثورة مضادة تضمنت تشويها وحربا نفسية ضد مبادئ الثورة والثوار، قمنا برصد آثارها السلبية. (واضح طبعا إدانة الطب النفسى للعسكرى وإعلامه وعباسيته!).ويضيف: «وفى دراستنا وتحليلنا من وجهة النظر النفسية لسلسلة من الأحداث على مدى الشهور الماضية تم رصد مجموعة من الانتهاكات والتعديات على حرية وكرامة الإنسان المصرى فى مناسبات متعددة تفوق الحدود التى يمكن التغاضى عنها أو احتمالها»، ثم يشير البيان إلى نقطة مفصلية «رصدنا خلال الفترة الأخيرة الكثير من الظواهر التى حدثت عمدا أو نتيجة قرارات متناقضة وكان من شأنها تفاقم الحاجز النفسى بين الإنسان المصرى فى مختلف المواقع وبين السلطة الممثلة فى الجهات القائمة على اتخاذ القرار، ونرى أن التضارب والارتباك فى كثير من القرارات فى الفترة الماضية قد أسهم فى الحالة الراهنة من الخلط والارتباك لدى قطاعات كثيرة من الناس.. ونحذر من نتائجها السلبية على الأداء الفردى والجماعى والمزاج العام للجميع»، ويؤكد بيان الأطباء النفسيين أن «الأحداث الأخيرة التى أسفرت عن ضحايا من شهداء ومصابين بصورة مبالغ فيها قد تسببت فى صدمة هائلة للمجتمع لن تقتصر آثارها على ردود الأفعال الحالية، لكنها ستؤدى إلى الكثير من التداعيات والمضاعفات السلبية متمثلة فى كم هائل من حالات الاضطراب النفسى نتيجة لمشاهد العنف المأساوية التى تابعها الجميع، وكما تؤكد مراجع الطب النفسى فإن هذه المشاهد المأساوية الصادمة تتسبب فى حالات اضطراب الضغوط التالية للصدمة المعروف اختصارا بـ(PTSD)، وهى حالة نفسية تؤدى إلى عجز وإعاقة لمن يتعرض لهذه الممارسات، ولأعداد كبيرة حتى من الذين يقيمون فى أماكن بعيدة عن مسرح الأحداث، ويشاهدونها على شاشات التليفزيون».ثورتنا إذن تمرض بفشل جنرالاتها!
الدستور
Tags:

تنويه:

الموقع غير مسئوول عن أية تعليقات أو كتابات تتم عن طريق الزوار أو القراء فكل كاتب مسؤول مسؤولية تامة ويتحمل كافة المسئوليات القانونية عن آرائه وكتاباته ونرجو عدم الإساءة الى أى شخص ومراعاة اختيار الالفاظ الملائمة
  • يرجى الاطلاع قبل التعليق او النشر
  • 0 التعليقات

    أترك تعليق